في فعالية تدشين التجمع الوطني للنضال والتنمية في القاعة الكبرى بمركز الدراسات والبحوث اليمني يوم السبت المنصرم الموافق 5/7/2014م ثار جدل حاد بين بعض المشاركين في الحضور حول من يستحق الإدانة في عمليات القتل، أو التقاتل، الجارية في عمران وتلك التي جرت في بني مطر و همدان وقبلهما ما جرى من تقاتل في صعدة والجوف وحجة وأرحب وغيرها.
وكاد المشتبكون بالكلام في القاعة أن يحدثوا حالة من الاستقطاب لولا أن انبرى أحدهم ليضع الجميع أمام حقيقة أن كل من يحمل السلاح ويتكئ عليه لتحقيق أهداف سياسية هو خارج القانون والدستور ويقف بالعلن، قبل السر، في مواجهة الدولة وسلطتها، خاصة بعد أن استقر الضمير الجمعي على أن الحوار الوطني الشامل هو المخرج الأوحد الأفضل لتجاوز كل مشكلاتنا على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية وغيرها من مشكلات وقضايا الحياة.
ورغم ما في هذا الرأي من وجاهة وصدق لكنه، ربما، قد قفز فوق حقيقة أن أحد طرفي القتال قد بات يهدد النظام السياسي الاجتماعي القائم برمته، وبات تحالف مسلحيه، أعداء الأمس، يطوقون العاصمة من اتجاهاتها الأربعة, ويحشدون ويحرضون على الانقضاض عليها في أية لحظة، ولديهم في أحيائها[[العاصمة]] أكثر من "حصان طروادة" وأكثر من طابور خامس جاهزون مزودون بأسلحة متنوعة مما يصلح لقتال الشوارع واقتحام المؤسسات والمقرات الحكومية والمعسكرات وغيرها، ولديهم أحلام كبيرة ودوافع سلطوية تاريخية بالنسبة لطرف من الحلف وحديثة العهد بالنسبة للطرف الآخر.
والشاهد، أن هذا التجمع الذي تم إشهاره ليس إلا أحد تجليات الخوف على النظام السياسي الاجتماعي القائم أو بمعنى أصح على النظام الجمهوري، وأحد مظاهر الاستعداد للدفاع عنه مهما كانت التضحيات.
فالمؤسسون هم رموز من قادة النضال الوطني، والحاضرون والمستجيبون هم من كل أنواع الطيف السياسي الاجتماعي اليماني من الكهول والشباب، والهم، أو الهدف المشترك هو الرفض المطلق للنكوص الذي يتهدد المجتمع اليمني ونظامه وثوراته ووحدته وكل منجزاته، كما يرفضون، وعلى استعداد لمواجهة وتحدي، كل فعل أو قول أو مسلك يستهدف النيل من دماء الشهداء من قوافلهم الأولى منذ أربعينيات القرن الماضي وما تلاها حتى ثورة الشعب الشبابية السلمية، وهي دماء وهم شهداء من كل ألوان طيف المجتمع اليمني، بدون استثناء، في ثورات استهدفت الظلم والظالمين من أي لون كانوا، ومن أي مستوى اجتماعي ينحدرون.
وهذا التجمع الوطني المهم ليس إلا انعكاس لحالة وطنية يمنية قد تفشت في كل أنحاء اليمن، وعما قريب ستأتي إلينا أخبارها تترى، وما ذلك إلا رد، أو ردود أفعال مجتمعية طبيعية متوقعة، ذلك أن صنعاء، وهذا ما يجهله الحالمون بالسيطرة عليها وعلى نظامها، لا تتمثل في مجرد الحيز الجغرافي الذي تشغله العاصمة.
فصنعاء هي كل اليمن، هي الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية وهي الهوية التاريخية والمعاصرة، وهي الرمز الأكبر، وهي البوتقة التي انصهرت فيها كل قوى المجتمع بمختلف أفكارها، وهي الوطن والمستقر لكل سكان اليمن بكل أصقاعه.
هي التي من استقر وسكن فيها لا يفكر في أية هجرة معاكسة إلى غيرها من الوطن اليمني الكبير، هي اليسار واليمين والوسط، ، وهي الدكتاتورية السياسية بكل عنفوانها.
هي التي احتوت سجونها المناضلين الذين نالوا أنواعا مختلفة من القهر والتعذيب، وشهدت مصارع المئات منهم، وهي التي يشرق منها الأمل دائما و يسطع منها النور.
وهي حلم الديمقراطية، ومقر أول دولة جمهورية قامت على دماء شهداء أفذاذ يقف على رأس القائمة منهم: علي عبد المغني الخباني، محمد مطهر زيد الأهنومي، علي الأحمدي الرداعي، أحمد بن أحمد الكبسي الخولاني، محمد الحمزي الحشيشي، وقاسم الأمير الصنعاني, علي عبد الله الرازقي المطري وعبد الله بن أحمد الوزير وعلي بن عبد الله الوزير والشهداء من: آل الكبسي والسياغي وعبد القادر والمطري والحسيني وعبد الله عبد الإله الأغبري وعبد اللطيف بن قائد بن راجح الإبي الخولاني، والخادم الوجيه التهامي الوصابي، وعلي ناصر القردعي المرادي ومحمد الشائف الجوفي وحسين بن ناصر مبخوت الأحمر وولده حميد الحاشديين وغيرهم وغيرهم، قوافل متصلة العطاء ودماء متصلة الجريان، وعشرات من زهرة شباب اليمن غيرهم من صغار الضباط وعشرات الآلاف من شباب الحرس الوطني والجنود ورجال الجيش الشعبي.
وصنعاء هي مقر أول دولة وطنية حديثة أقامها الشهيد إبراهيم الحمدي، وهي التي شهدت مصرعه على أيدي قوى التخلف والقهر والظلام التي أوصلت الوطن إلى ما هو عليه.
فيها سكن وعاش وأعطى: السلال والنعمان والزبيري ومحمد علي عثمان ويوسف الشحاري وأحفاد القردعي وبن معيلي والشرجبي واحفاد عبد الله عبد الإله الأغبري والدعيس والمحلوي، وعبد الله البردوني وعبد العزيز المقالح وعبد الباري طاهر وجار الله عمر وسلطان أحمد عمر وعبد القادر سعيد وحسن جار الله وعبد الرقيب عبد الوهاب وأحمد عبد الوهاب الآنسي وحميد الزرقة وفيها البيوت المالية من كل أنحاء اليمن بدون استثناء، والأساتذة: أحمد الكراز والنعماني والقريطي والفضيل، ورواد الفن: قاسم الأخفش و أيوب طارش والسنيدار وإبراهيم طاهر والآنسي وفيها غنى المرشدي والحارثي ومحمد سعد عبد الله وكرامة مرسال وغيرهم.
هي هي بكل تناقضاتها وصراعاتها، بحلوها ومرها ببؤسا وازدهارها، بشقائها ونعيمها، بطغيان أقلية متحكمة من كل أنحاء الحيز الجغرافي اليماني على أحلام أكثرية تشمل كل ذلك الحيز، بكل ما يعاني سكانها منه، بشحة مائها، وفقدان شوارعها إلى النظافة وافتقارها إلى إدارة مدنية تليق بها كعاصمة، بالمسلحين الذين يجوبون شوارعها، بل بغابات السلاح التي تكتظ بها!.
هي هي الوطن، الجمهورية والثورة والشهداء والمعاقين والأرامل والمكلومين والثكالى واليتامى ومقابر الشهداء ونصبهم التذكاري، هي الشافعية والزيدية والسلفية وكل المعتقدات، هي التهامية والتعزية والجوفية والعمرانية والصعدية والأبية والمحويتية والريمية والبيضانية والشبوانية والأبينية والمهرية والسقطرية واللحجية والعدنية والذمارية والمأربية.
هي كل اليمن، هي العاصمة التي دافع عنها مقاتلون من كل هذه المناطق وهي التي استشهد على أبوابها فدائيو جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، وقادة وفدائيو الجبهة القومية وعشرات الآلاف من شباب اليمن الذين هبوا من بلدان اغترابهم وانتصروا لها لتظل عاصمة اليمن الجمهوري، وهي الآن عاصمة اليمن الموحد التي انعقد فيها مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومنها جاءت مخرجاته، ومنها ننتظر الدستور الوطني وأسس بناء الدولة اليمنية الاتحادية المدنية الديمقراطية، دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، فهل يسمح هذا التنوع المؤتلف الرائع، صانع مخرجات الحوار الوطني الشامل بسقوطها في أيدي الماضويين؟ هل يقبل بالنكوص؟ لا شك أن الإجابة هي بالنفي القاطع الواثق من النصر.
لقد حرصت القيادة السياسية-العسكرية القائمة، التي يقف على ذروة هرمها الرئيس عبد ربه منصور هادي، على أن تنأى بالقوات المسلحة والأمن عن أية حروب لا تكون مصلحة الوطن وسيادته هي الدافع إليها، ووقفت بهما على مسافة واحدة مما جرى من تقاتل مليشياوي في صعدة وامتداداتها وحتى عمران وأخيرا بني مطر.
ولجأت، القيادة السياسية، عوضا عن دفعهما للقتال إلى تشكيل اللجان الرئاسية التي هدفت من تشكيلها إيقاف التقاتل والانتقال إلى الحوار الوطني المفضي إلى تحقيق السلام الاجتماعي والسير نحو بناء الدولة المدنية الحديثة. وكان الدافع وراء ذلك الموقف، أيضا، هو الحرص على إبعاد مؤسستينا الدفاعية والأمنية عن كل حرب ذات طابع فئوي أو قبلي أو مناطقي أو مذهبي أو ما شابه ذلك.
ولكن يبدو أن الرسالة التي أرادت قيادة الدولة إرسالها للمتقاتلين خارج الدستور وكل القوانين، قد فهمها بعضهم بطريقة خاطئة، فتمادى في توسعه حتى صار يقاتل أبناء القوات المسلحة ويسعى لتطويق العاصمة صنعاء بل ويبشر بنظام آخر للحكم من صنعه هو ولذويه فقط لاغير... فهم خاطئ لا يستوعب حقيقة ما يعتمل في المجتمع من تفاعل وحقيقة قدرات قواه السياسية الاجتماعية حين تتعرض آمالها للخطر.
لقد تمادى هؤلاء في غيهم وتمادوا في استعداء القوات المسلحة فأرغموها على الدفاع عن النفس وعن الوطن والنظام العام، وستفعل أكثر واقوي مما قد فعلت، وتمادوا في استعداء المجتمع وقواه المختلفة المتحدة، وتمادوا في المجاهرة بكبريائهم وتعاليهم وعنجهيتهم والتباهي بقدراتهم على قهر كل من يفكر في الوقوف في طريق مشروعهم الكبير، مشروع الدولة البديل، في غفلة تامة عن حقيقة ما يمكن أن يواجه تلك الأحلام التي تريد أن تقفز فوق الواقع والتاريخ.
أنا على ثقة بأن مؤسستينا الدفاعية والأمنية ستنتصر للوطن، وأنها بالمجتمع وقواه الوطنية الحية وعلى صخرة صمودها ووطنيتها ستتحطم كل أحلام الطامحين في النكوص بالمجتمع اليمني المتطلع إلى قادم أفضل، ومن لا يصدق فما عليه إلا الصبر والانتظار وسيرى.